الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن شريعة الإسلام شريعة عظيمة ، قائمة على السماحة واليسر ، وعلى التوسط والاعتدال ، فهي حسنة بين سيئتين ، وهدى بين ضلالتين ، وفضيلة بين رذيلتين ، لا إفراط فيها ولا تفريط ، ولا غلو ولاجفاء ، قال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) أي : عدولاً خياراً . ونصوص الكتاب والسنة مستفيضة ببيان سماحة الشريعة ويسرها ، والسماحة في أحكامها واضحة جلية لكل من تتبعها في أصولها وفروعها ، وكتاب الله تعالى قد زخر بالنصوص التي تدل على هذا الأمر وتؤيده ، ومن ذلك :
قول الله تعالى : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ) .
وقال تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون ) .
وقال تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .
وقال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) .
وقال تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ) .
وقال تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .
وإذا ما تصفحنا دواوين السنة الشريفة : نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء بالسماحة واليسر والرحمة بالخلق أجمعين ، كيف لا ؟! وقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين ، قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فهو رحمته المهداة لعباده ، وقد وصفه الله تعالى بأبلغ من ذلك حيث : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) . أي : شديد الرأفة والرحمة بالمؤمنين أجمعين ، فهو أرحم بهم من والديهم .
ولقد كان صلى الله عليه وسلم في حياته كلها يأخذ باليسر والسماحة في : أقواله ، وأفعاله ، وتقريراته . فعن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ) . وعن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : ( ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان من أبعد الناس عنه 00 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثت بالحنيفية السمحة ) . وعنها أيضاً ، رضي الله عنها ، قالت : قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينـزع من شيء إلا شانه ) .
والنصوص في الكتاب والسنة في تقرير هذه المسألة أشهر من أن تذكر ، وأكثر من أن تحصر ، فمن القواعد المتفق عليها بين الفقهاء في المذاهب الأربعة أن :
( المشقة تجلب التيسير ) . وأن ( الأمر كلما ضاق اتسع وكلما اتسع ضاق ) .
وأنه ( لا حرام مع الضرورة ولا واجب مع العجز ) . ويذكرون على هذا تطبيقات عملية كثيرة في كتب الفقه ، ليس هذا مجال استقصائها .
ولكن من أعظم صور السماحة واليسر في هذه الشريعة ، نهيها عن الغلو في الدين ، لأنه منافٍ لسماحة الإسلام ، ومضاد لمقاصده ، ولقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة ، في التحذير من الغلو في الدين ، وبيان عواقبه ، قال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ) . فهذا الخطاب وإن كان لأهل الكتاب ، فالمسلمون داخلون فيه بطريق الأولى ، لأن ما حرمه تعالى في كتابه على أهل الكتاب ، وليس فيه ما يدل على أنه خاص بهم ، فهو حرام على جميع المسلمين لا سيما وأن الغلو ممقوت في جميع الشرائع ، ومما يؤيد ما سبق بيانه أن النبي r حرم الغلو ، وأشار إلى أن ما حصل من هلاك لمن سبق من الأمم ؛ إنما كان بسبب الغلو في الدين ، فقد روى ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) وقد تكاثرت النصوص الشرعية في بيان خطورة الغلو في الدين على الاستقامة فيه ، فالله تعالى أمر بالاستقامة فقال : ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ) والاستقامة هي : الاعتدال من دون انحراف ولا تقصير .
فلما أمر جل وعلا بالاستقامة ، أعقبها بالنهى عن الطغيان ، والطغيان هو مجاوزة الحد في كل شيء ، والغلو : يأتي في أعلى درجات سلم الطغيان ، وهو تعدٍ صريح لحدود الله تعالى ، وقد بين تعالى أن المتعدين لحدوده ظالمون ، قال تعالى : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) .قال ابن القيم ، رحمه الله : \\\" ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان : إما إلى تفريط وإضاعة ، وإما إلى إفراط وغلو ، ودين الله وسط بين الجافي عنه ، والغالي فيه ، كالوادي بين جبلين ، والهدى بين ضلالتين ، والوسط بين طرفين ذميمين ، فكما أن الجافي عن الأمر مُضيع له ، فالغالي فيه مضيع له ، هذا بتقصيره عن الحد ، وهذا بتجاوزه الحد \\\"
ولأجل هذا أخبر النبي r بهلاك المتنطعين ، فعن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون ـ قالها ثلاثاً ) قال النووي :\\\" أي المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم \\\" .
أقول : ومع هلاكهم فهم محرومون أيضاً من شفاعة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فعن معقل بن يسار ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله r : ( صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم ، وغالٍ في الدين ، يشهد عليهم ويتبرأ منهم )
والغلو هو : مجاوزة الحد في كل شيء ، وأخطر شيء يحصل فيه الغلو حينما يكون في الدين ، والغلو في الدين أيضاً مراتب من أشنعها وأقبحها وأخطرها ، هو : الحكم على المسلمين بالكفر وإخراجهم من الملة بغير دليل من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم .
وحديثي في هذه الحلقات يدور كله حول هذا النوع من الغلو ، والذي يمثل جزئية من المعنى العام للغلو في الدين ، فقد أردت التنبيه عليه ، وبيان خطورته ، وآثاره ، والإشارة إلى أهم الضوابط عند أهل السنة والجماعة السائرين على طريقة السلف الصالح في هذا الباب العظيم ، وذلك بشكل مختصر ، يعتصم فيه المسلم الموفق ـ بإذن الله تعالى ـ من الانحراف والزلل .
يتبع بإذن الله .
فإن شريعة الإسلام شريعة عظيمة ، قائمة على السماحة واليسر ، وعلى التوسط والاعتدال ، فهي حسنة بين سيئتين ، وهدى بين ضلالتين ، وفضيلة بين رذيلتين ، لا إفراط فيها ولا تفريط ، ولا غلو ولاجفاء ، قال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) أي : عدولاً خياراً . ونصوص الكتاب والسنة مستفيضة ببيان سماحة الشريعة ويسرها ، والسماحة في أحكامها واضحة جلية لكل من تتبعها في أصولها وفروعها ، وكتاب الله تعالى قد زخر بالنصوص التي تدل على هذا الأمر وتؤيده ، ومن ذلك :
قول الله تعالى : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ) .
وقال تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون ) .
وقال تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .
وقال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) .
وقال تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ) .
وقال تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .
وإذا ما تصفحنا دواوين السنة الشريفة : نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء بالسماحة واليسر والرحمة بالخلق أجمعين ، كيف لا ؟! وقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين ، قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فهو رحمته المهداة لعباده ، وقد وصفه الله تعالى بأبلغ من ذلك حيث : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) . أي : شديد الرأفة والرحمة بالمؤمنين أجمعين ، فهو أرحم بهم من والديهم .
ولقد كان صلى الله عليه وسلم في حياته كلها يأخذ باليسر والسماحة في : أقواله ، وأفعاله ، وتقريراته . فعن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ) . وعن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : ( ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان من أبعد الناس عنه 00 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثت بالحنيفية السمحة ) . وعنها أيضاً ، رضي الله عنها ، قالت : قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينـزع من شيء إلا شانه ) .
والنصوص في الكتاب والسنة في تقرير هذه المسألة أشهر من أن تذكر ، وأكثر من أن تحصر ، فمن القواعد المتفق عليها بين الفقهاء في المذاهب الأربعة أن :
( المشقة تجلب التيسير ) . وأن ( الأمر كلما ضاق اتسع وكلما اتسع ضاق ) .
وأنه ( لا حرام مع الضرورة ولا واجب مع العجز ) . ويذكرون على هذا تطبيقات عملية كثيرة في كتب الفقه ، ليس هذا مجال استقصائها .
ولكن من أعظم صور السماحة واليسر في هذه الشريعة ، نهيها عن الغلو في الدين ، لأنه منافٍ لسماحة الإسلام ، ومضاد لمقاصده ، ولقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة ، في التحذير من الغلو في الدين ، وبيان عواقبه ، قال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ) . فهذا الخطاب وإن كان لأهل الكتاب ، فالمسلمون داخلون فيه بطريق الأولى ، لأن ما حرمه تعالى في كتابه على أهل الكتاب ، وليس فيه ما يدل على أنه خاص بهم ، فهو حرام على جميع المسلمين لا سيما وأن الغلو ممقوت في جميع الشرائع ، ومما يؤيد ما سبق بيانه أن النبي r حرم الغلو ، وأشار إلى أن ما حصل من هلاك لمن سبق من الأمم ؛ إنما كان بسبب الغلو في الدين ، فقد روى ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) وقد تكاثرت النصوص الشرعية في بيان خطورة الغلو في الدين على الاستقامة فيه ، فالله تعالى أمر بالاستقامة فقال : ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ) والاستقامة هي : الاعتدال من دون انحراف ولا تقصير .
فلما أمر جل وعلا بالاستقامة ، أعقبها بالنهى عن الطغيان ، والطغيان هو مجاوزة الحد في كل شيء ، والغلو : يأتي في أعلى درجات سلم الطغيان ، وهو تعدٍ صريح لحدود الله تعالى ، وقد بين تعالى أن المتعدين لحدوده ظالمون ، قال تعالى : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) .قال ابن القيم ، رحمه الله : \\\" ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان : إما إلى تفريط وإضاعة ، وإما إلى إفراط وغلو ، ودين الله وسط بين الجافي عنه ، والغالي فيه ، كالوادي بين جبلين ، والهدى بين ضلالتين ، والوسط بين طرفين ذميمين ، فكما أن الجافي عن الأمر مُضيع له ، فالغالي فيه مضيع له ، هذا بتقصيره عن الحد ، وهذا بتجاوزه الحد \\\"
ولأجل هذا أخبر النبي r بهلاك المتنطعين ، فعن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون ـ قالها ثلاثاً ) قال النووي :\\\" أي المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم \\\" .
أقول : ومع هلاكهم فهم محرومون أيضاً من شفاعة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فعن معقل بن يسار ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله r : ( صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم ، وغالٍ في الدين ، يشهد عليهم ويتبرأ منهم )
والغلو هو : مجاوزة الحد في كل شيء ، وأخطر شيء يحصل فيه الغلو حينما يكون في الدين ، والغلو في الدين أيضاً مراتب من أشنعها وأقبحها وأخطرها ، هو : الحكم على المسلمين بالكفر وإخراجهم من الملة بغير دليل من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم .
وحديثي في هذه الحلقات يدور كله حول هذا النوع من الغلو ، والذي يمثل جزئية من المعنى العام للغلو في الدين ، فقد أردت التنبيه عليه ، وبيان خطورته ، وآثاره ، والإشارة إلى أهم الضوابط عند أهل السنة والجماعة السائرين على طريقة السلف الصالح في هذا الباب العظيم ، وذلك بشكل مختصر ، يعتصم فيه المسلم الموفق ـ بإذن الله تعالى ـ من الانحراف والزلل .
يتبع بإذن الله .