ركن المقالات
  • حادثة المسجد النبوي الشريف

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 11214

    ما قام به [ الخوارج ] من تفجير بجوار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر ليلة من ليالي رمضان والناس يتهيؤون للإفطار ما هو إلا حلقة من سلسلة أعمالهم الإجرامية والمتناهية في الفظاعة والقبح والخسة فأدبيات هذا المنهج الخبيث لا تعرف دماءً معصومة ولا أماكن مقدسة ولا ينظرون إلى زمان أو مكان وإنما هم ساعون في الأرض فسادًا وتدميرًا وهدمًا لكل ما هو قائم وحرقًا لكل شيء جميل ولذلك استحقوا العقوبة من صاحب القلب الرحيم صلى الله عليه وسلم حينما قال: ] لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ [ وقال:فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ] وقال: ]قِتَالُهُمْ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ] وذلك لعلم النبي صلى الله عليه وسلم بطبيعة نفسياتهم المريضة وعقلياتهم الملوثة وقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق حينما ذكر من اوصافهم بقوله:] يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ ] ولا يعرف خدمة يقدمها بشر لأعداء الإسلام مثل خدمات الخوارج الذين يفتون في عضد أهل الإسلام ويضعفون وحدتهم ويوهنون قوتهم، بمثل هذه الأعمال الإجرامية، والسوابق التاريخية ناطقة بذلك، وما يحصل الآن أعظم برهان. فالخوارج منذ نشأتهم لا للإسلام نصروا ولا لأعداء الإسلام كسروا بل هم مجرد مطايا لأعداء الدين، وأداة للإفساد والتدمير. والمتابع والمراقب يلحظ منذ عقود أن التهديدات التي تستهدف مملكتنا الغالية من قبل أعدائنا تترجم إلى واقع بعدها مباشرة وذلك بقيام الخوارج وجماعات الغلو والتطرف المارقة بتنفيذ هذه التهديدات على أرض الواقع تفجيرًا وتدميرًا مما يؤكد أنهم أداة العدو الفعلية، وذراعها المفسد والمدمر، ولا بد أن نعلم حقيقة أن الخوارج لن تقوم لهم قائمة فكلما خرج قرن كسر ولله الحمد، والواجب علينا جميعًا أن تزيد هذه الحوادث من تمسكنا وقوتنا وأن يرتفع الحس الأمني والوطني في نفس كل فرد من أفراد أمتنا وأن يعلم الجميع أن مواجهة الخوارج فكريًا وأمنيًا ودفع شرهم من أعظم الجهاد في سبيل الله حفظ الله وطننا وولاة أمرنا وشعبنا وكبت الله الخوارج.

    ....
    المزيد
  • وقفة تذكير في حادثة منى

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 19447

    أسأل الله أن يرحم من مات من هؤلاء الحجاج وأن يجعلهم شهداء عنده وأن يرفع منازلهم في عليين، وهنيئا لهم هذه الخاتمة، فلقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الرجل الذي مات وهو محرم [ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا ]، ولا شك أن ما جرى إنما هو بتقدير الله جل وعلا فلله الحكمة البالغة قال تعالى: [ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ] وقال تعالى: [ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ] ومن تأمل في هذه الحادثة يجد بأنها اشتملت على حكم كثيرة من هذه الحكم: اختيار الله تعالى لهذه الكوكبة أن تكون خاتمتهم على خير حال  وقد قال صلى الله عليه وسلم: [ الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ ]وارجوا الله لهم الشهادة كيف لا وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه الحج في سبيل الله. ومن الحكم: أن قدر الله نافذ لا يمنعه حرص حريص ولا ترده قوة قوي، وقد جاء في الحديث: [ لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ] فرغم الاستعدادات الهائلة والتسهيلات الكبيرة والأعمال العملاقة إلا أن الله منفذ قدره جل وعلا في عباده، وممضي قضاءه في خلقه، ومن الحكم أيضا كشف حال الشانئين المبغضين من الذين يتربصون بالأمة الدوائر وفضح مكنونات صدورهم وخفايا ضمائرهم، حينما يستثمرون مثل هذه الحوادث المؤلمة لإشباع نفوسهم المريضة ومحاولة التشغيب على ما تقوم به حكومة خادم الحرمين الشريفين الرشيدة من جهود جبارة في خدمة ضيوف الرحمن، والتي جعلت من أولى اولياتها خدمة البيتين والحجاج والزائرين، ففي هذا العام تحديداً جندت ما يزيد على 300 ألف فرد من جميع القطاعات لخدمة الحجاج ووفرت جميع السبل المريحة والتي من خلالها يؤدي الحجاج نسكهم، وما حصل من تدافع في مشعر منى وما نتج عنه من وفيات وإصابات رغم فضاعته والحزن الذي خيم على الجميع إلا أنه لا يقلل ابداً مما تقدمه المملكة العربية السعودية من خدمات وتسهيلات لضيوف الرحمن، وأن أرقام المبالغ التي تصرفها حكومة خادم الحرمين الشريفين على الحرمين الشريفين وعلى خدمة الحجيج  لتضاهي ميزانيات عشرات من الدول، وهذا لا يمكن أن يشاهد إلا بعين الإنصاف والعدل، ولا تقلل هذه الحادثة من جهود جنودنا البواسل والذي قدم الكثير منهم أرواحهم في سبيل هذا العمل الشريف، تعازينا لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي عهده ولجميع المسلمين وأسأل الله جل وعلا أن يرحم الموتى وان يعافي المصابين أنه خير مسؤول. 

    ....
    المزيد
  • هيبة الدولة واجب شرعي وضرورة دنيوية

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 11934

    إن من أهم المصالح التي قررتها الشريعة الإسلامية المحافظة على هيبة الدولة وحسم كل ما من شأنه أن يضعف قوتها أو يذهب شوكتها، وقد نظرت الشريعة إلى هذا الأمر على أنه ضرورة تتحقق معها مصالح الدين والدنيا، لأن بقاء الدولة مهابة الجانب يوفر للناس الاستقرار في معايشهم ويحافظون على ضرورات بقائهم، وبافتقاد الدولة لهيبتها فإن هذا مؤذنٌ بفساد عريض وشر مستطير، من: تعطل الحدود، ونجوم الفتن، وتشرذم الناس، واضطراب الأحوال، وهناك ترخص الدماء، وتنهب الأموال، وتبرز العصبيات، وتعلو النعرات، ويتجرؤ العدو، ويُبدل الناس بعد الأمن خوفاً، وفي استشهاد التاريخ واستنطاق الواقع عظة وعبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد!! ولذلك تضافرت وتكاثرت واتحدت النصوص في الكتاب والسنة تصريحاً وتلويحاً على وجوب المحافظة على هذه المصلحة وتقويتها وإبقائها، وقطع كل الذرائع التي تفضي إلى الإخلال بها!! ولعل من أقرب الأمثلة التي تؤكد قيمة الدولة وضرورة بقائها مهابة محترمة عند جمهور الناس ما يتعلق بقضية الحدود، فإن إقامتها مناط بالدولة، من: قتل القاتل، وقطع يد اللص الخاتل، ورجم الزاني المحصن، وجلد الداعر، وغيرها من الحدود والتعزيرات المعلومة؛ فليس لآحاد الناس وأفرادهم توليها؛ لأن إقامتها يحتاج إلى قوة، وهذه موجودة في جانب ولاة الأمور الذين جعلهم الله فيصلاً بين الحلال والحرام، ولو تُرك الأمر لكل أحد لأصبحت الأرض رجراجة، والبلاد متكفئة، والدماء رخيصة، ولتسلط القوي على الضعيف، ولخربت الأوطان، وحل الدمار. ولأجل ما سبق فقد نصّ الفقهاء أن على ولي الأمر أن يولي القضاء والمظالم أصحاب الهيبة والحشمة والقوة، لأجل مصلحة مجموع الأمة، قال الماوردي في متولي ولاية المظالم: «لا بد أن يكون عظيم الهيبة» (1)، وقال رحمه الله في الهيبة: «إنها قاعدة الملك، وأساس السلطنة، وذلك لا يكون إلا لمن خيف غضبه، وخشيت سطوته» (2).

     بل إن الدعوة إلى جعل الدولة مهابة الجانب محشومة المقدار في نفوس الرعية أمر معروف في جميع الملل ومتعارف عليه في الأواخر والأُول، قال ابن مسكويه في تجارب الأمم: «ومن حسن سياسة الملوك أن يجعلوا خاصّتهم كلّ مهذّب الأفعال محمود الخصال موصوفاً بالخير والعقل معروفاً بالصلاح والعدل، فإنّ الملك لا تخالطه العامّة ولا أكثر الجند، وإنّما يرون خواصّه، فإن كانت طرائقهم سديدة وأفعالهم رشيدة عظمت هيبة الملك في نفس من يبعد عنه لاستقامة طريقة من يقرب منه» (3).

     بل المتأمل في كلام المشتغلين في الكتابة سياسة الدول يوصون أول ما يوصون في رسائلهم ونصائحهم بضرورة هيبة الدولة، وأنها قيمة عالية، بل هي قاعدة الملك الراسخة، قال الخيرميتي: «وينبغي للسلاطين والوزراء ألا يهملوا السياسة، ويكونوا مع السياسة عادلين، لأن السلطان خليفة الله في أرضه، يجب أن تكون هيبته بحيث إذا رأته الرعية أو إذا كانوا بعيداً عنه خافوا منه، وسلطان هذا الزمان يجب أن يكون أوفى سياسة، وأتم هيبة، لأن أناس هذا الزمان ليسوا كالمتقدمين، وإذا كان السلطان ضعيفاً، أو كان غير ذي سياسة وهيبة، فلا شك أن ذلك يكون سبب خراب البلاد، وأن الخلل يعود على الدين والدنيا، ولم يكن لذلك السلطان في أعين الناس خطر، ولا يسمعون كلامه، ولا يطيعون أمره، ويكون الخلق عليه ساخطين» (4).

    ويؤكد هذا الفخري حينما ذكر مجموعة من الآداب التي ينبغي أن تكون في الملك، فذكر منها: الهيبة، وقال: «بها يحفظ نظام المملكة، ويحرس من أطماع الرعية».

     ولذلك من أعظم الوسائل الشرعية المقررة في المحافظة على مقصود الشرع في التأكيد على هيبة الدولة وحشمتها هو وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية الله، وتعظيمهم في النفوس، وجمع القلوب عليهم، والحذر من معصيتهم والاختلاف عليهم، فإن في الاختلاف عليهم وإضعاف هيبتهم وإذهاب حشمتهم من المفاسد ما لا يدخل تحت الحساب ولا تضبطه أقلام الكتاب، ونصوص الوحيين الشريفين متضافرة في تأكيد هذا الأصل.

    وقد أجمع أهل السنة والجماعة على وجوب طاعة الأئمة في غير معصية الله، وأدخلوا هذه المسألة في مصنفات الاعتقاد، كما فعل الإمام أحمد، والآجري، والصابوني، والطحاوي، وغيرهم من أئمة الإسلام، مما يدل على أهميتها وخطورة مخالفتها، وبطاعة ولاة الأمور واحترامهم تتحقق هيبة الدولة، ويأمن الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم.

    ومن الوسائل الشرعية المقررة أيضاً في التأكيد على حشمة الدولة وبقائها مهابة الجانب، عدم الافتئات على ولاة الأمور ومزاحمتهم فيما هو من خصائصهم، لأن في الافتئات عليهم إضعاف لمكانتهم وصرف الوجوه عنهم، وهذا بدوره يضعف قيمة الدولة في نفوس الرعية، ولذلك قاعدة أهل العلم أن: حكم الحاكم يرفع الخلاف، فلو اعتمد ولي الأمر أو من يستمد قوته منه من أهل الحل والعقد قولاً ولو كان مرجوحاً مما يسعه الاجتهاد فإن اختياره يرفع الخلاف.

    وهذا التفات منهم إلى قاعدة الشرع التي لا تنخرم وهو وجوب الاجتماع وبذل أسبابه، وحرمة الافتراق وحسم ذرائعه، قال القرافي -رحمه الله، وهو يتحدث عن المصالح العليا والعامة فيقول: (ضبط المصالح العامة واجب، ولا ينضبط إلا بعظمة الأئمة في نفس الرعية، ومتى اختلفت عليهم أو أهينوا تعذرت المصلحة).

     وذكر أيضاً في الفرق بين ما يكون من تصرفات الحاكم فتيا يجوز المخالفة فيها، وبين ما يكون حكماً لا يجوز المخالفة فيها، فذكر من الفتيا التي يجوز أن يخالف فيها الإمام إقامة الجمعة بغير إذن الإمام، فيجوز أن تقام ولو بدون إذن الإمام، ثم قال بعدها: «إلا أن يكون في ذلك صورة المشاقة، وخرق أبهة الولاية، وإظهار العناد والمخالفة فتمنع إقامتها بغير أمره لأجل ذلك» (5).

    وقال رحمه الله في موضع آخر: «من البدع مندوب إليه ما تناولته قواعد الندب وأدلته من الشريعة كصلاة التراويح وإقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه أمر الصحابة بسبب أن المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس، وكان الناس في زمن الصحابة معظم تعظيمهم إنما هو بالدين وسابق الهجرة، ثم اختل النظام وذهب ذلك القرن وحدث قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور، فيتعين تفخيم الصور حتى تحصل المصالح، وقد كان عمر يأكل خبز الشعير والملح ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم لعلمه بأن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس، ولم يحترموه وتجاسروا عليه بالمخالفة فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى لحفظ النظام» (6).

     ولذلك فإنَّ الافتئات على السلطان ينتج عنه سقوط الهيبة، وزوال الحشمة، وتجرؤ الدهماء، وتحفز الغوغاء. ومن الوسائل الشرعية المقررة أيضاً في التأكيد على ضرورة المحافظة على هيبة الدولة وحشمتها اجتناب سب الولاة ونوابهم وانتقادهم عند العامة والخاصة، أو تعييرهم وانتقاصهم، أو المجاهرة بنصيحتهم والإنكار عليهم، أو التشهير بأخطائهم، فإن هذا مما يضعف طاعتهم، ويوهن قيمتهم، ويجعل الناس ينفضون من حولهم، قال ابن مسكويه: «وإذا كان خواصّ الملك ممن يقدح فيهم وتذكر مساويهم، قلّت الهيبة في النفوس» (7).

    وإذا وصل الأمر إلى هذه المرحلة، فإن هذا مؤذن بذهاب الأمن!! وإذا ذهب الأمن حلت الفوضى، ونزلت بالناس صواعق الهلاك؛ ولذلك كان السلف الصالح يحذرون من إهانة ولاة الأمور أو نوابهم والتعرض لهم بالثلب، وهذا لا يعني عدم نصحهم، بل كانت نصيحتهم لهم سراً لا علانية استجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فَعَنْ زِيَادِ ابْنِ كُسَيْبٍ العَدَوِيّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ: فَقَالَ أَبُو بِلَال: «انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الفُسَّاقِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ: «مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ الله» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (8)

     وفي السنة لابن أبي عاصم عن ابن حلبس عن معاوية بن أبي سفيان قال: لَمَّا خَرجَ أبو ذرٍّ إلى الرَّبَذَةِ لَقِيه رَكْبٌ مِن أَهلِ العِراقِ، فَقالوا: يا أبا ذرٍّ، قدْ بَلَغَنا الَّذي صُنِع بكَ، فاعقِدْ لِواءً يَأتيكَ رِجالٌ ما شِئتَ، قال: مهلًا مهلًا يا أهلَ الإسلامِ؛ فإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ يَقولُ: سيَكونُ بَعدي سُلطانٌ فأَعِزُّوه، مَن التَمَس ذُلَّه ثَغَر ثُغْرةً في الإِسلامِ، ولَمْ يُقبَلْ مِنه تَوبةٌ حتَّى يُعيدَها كَما كانتْ. (9)

    ولقد كان الفاروق عمر -رضي الله عنه -وهو أشهر من قعد لقضايا السياسة الشرعية، يؤكد كثيراً على ضرورة الاهتمام بهيبة الدولة، وعلى قوة ولي الأمر، فمما كان يقوله: «لا ينبغي أن يلي هذا الأمر، يعني أمر الناس-إلا رجل فيه أربع خلال: اللين في غير ضعف، والشدة في غير عنف، والإمساك في غير بخل، والسماحة في غير سرف، فإن سقطت واحدة منهن فسدت الثلاث» (10)

    وجاء في وصيته -رضي الله عنه -لأبي موسى الأشعري حين وجهه إلى البصرة: «يا أبا موسى إياك والسوط والعصا أجتنبهما حتى يقال: لين في غير ضعف، وأستعملهما حتى يقال شديد في غير عنف» (11)

     ولقد كانت لعمر رضي الله عنه من الهيبة ما هو مشهور ومذكور!! حتى إن طالب الحاجة يأتيه ليكلمه في حاجته، فما يقدر على ذلك من هيبته، فيرجع ولم يقض حاجته، فأشار الصحابة على عبدالرحمن بن عوف أن يكلمه في ذلك. (12) ولأجل هذا بلغت دولته ما بلغت شأواً كبيراً. وضربت الدولة الإسلامية في عهده الأقاصي القصية من الأرض تنشر النور والخير، ولقد كان رضي الله عنه يشجع كل من يعين على بقاء هيبة الدولة قوية، وحشمة ولي الأمر عالية في نفوس الناس، ولذلك لما قدم الشام، تلقاه معاوية في موكب عظيم؛ فلما دنا منه قال له عمر: أنت صاحب الموكب العظيم؟  قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: مع ما يبلغني من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: مع ما يبلغك من ذاك. قال: ولِمَ تفعل هذا؟ قال: نحن بأرض جواسيس العدو بها كثير، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما نرهبهم به؛ فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت. فقال عمر: يا معاوية، ما أسألك عن شيء، إلا تركتني في مثل رواجب الضرس؛ لئن كان ما قلت حقاً، إنه لرأي أريب، ولئن كان باطلاً، إنها لخدعة أديب. قال: فمرني يا أمير المؤمنين. قال: لا آمرك ولا أنهاك. فقال رجلٌ: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه. فقال عمر: لحسن مصادره وموارده جشمناه ما جشمناه(13)

    والخليفة الراشد ذو النورين؛ عثمان رضي الله عنه لم يخالف سياسة عمر رضي الله عنه في شيء سوى في اللين للرعية، مما جرؤ عليه السفهاء وآل الأمر إلى قتله، وهو الإمام التقي الورع، ذكر الطبري في التاريخ: «أن عثمان خرج على الناس، فجلس على المنبر، فقال: أما بعد، فإن لكل شيء آفة، ولكل أمر عاهة، وإن آفة هذه الأمة، وعاهة هذه النعمة، عيابون طعانون، يرونكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون، يقولون لكم وتقولون، أمثال النعام يتبعون أول ناعق، أحب مواردها إليها البعيد، لا يشربون إلا نغصاً ولا يردون إلا عكراً، لا يقوم لهم رائد، وقد أعيتهم الأمور، وتعذرت عليهم المكاسب، ألا فقد والله عِبْتُم علي بما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه، فدِنْتُم له على ما أحببتم أو كرهتم، ولِنْتُ لكم، وأوطأت لكم كنفي، وكففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم علي. ولما استشار رضي الله عنه ولاته في أمر الفتنة واجتراء السفهاء عليه، قال له داهية العرب؛ عمرو بن العاص رضي الله عنه: أرى أنك قد لنت لهم، وتراخيت عنهم، وزدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك، فتشتد في موضع الشدة، وتلين في موضع اللين، إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شراً، واللين لمن يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتها جميعاً اللين».ولذلك فإنَّ المتأمل في النصوص الشرعية مستصحباً السوابق التاريخية والأحداث المعاشة والمعاصرة يجد أن المحافظة على هيبة الدولة تعد ضرورة، ومن أهم ما ينبغي السعي إليه، والاعتناء به، وأن على الخاصة قبل العامة أن يبذلوا الوسائل في تحقيق هذا المقصد لأنها في نهاية المطاف هي سفينتهم.

     

     أدام الله علينا الأمن والأمان. وكفانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن

     

    ....
    المزيد
  • الباعة الجائلون

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 19046

    خبر في جريدة الخليج تحت عنوان :ا
    الباعة الجائلون \"رزق\" مشبوه

    الثلاثاء ,11/05/2010 
    وبالنسبة لموقف الشرع وهل يبيح التعاطف معهم باعتبارهم من المحتاجين الذين يجب مد يد المساعدة لهم من عدمه، قال الشيخ عزيز فرحان العنزي مدير مركز الدعوة والإرشاد في دبي إن الباعة الجائلين الذين يدقون ابواب الشقق السكنية لعرض بضاعتهم، فيه مخالفة شرعية من ناحيتين، الاولى ان الناس تعارفوا على ان البيع يتم من خلال الاسواق والمحال المعروفة، وانفراد هؤلاء الباعة عن نظام السوق محل ريبة، خاصة اذا كانت بضائعهم مشبوهة، وبعيدين عن الرقابة لمعرفة مدى صلاحية ما يعرضونه من عدمه، فضلا عن ان الغالبية العظمى من هؤلاء الباعة يروجون لبضائع غير جيدة وبعضها يتضمن أشياء من المحرمات والممنوعات، كما يظهر من خلال إعلان الجهات الأمنية عن القبض عليهم بين كل فترة وأخرى، والناحية الثانية فيها مخالفة لولي الأمر الذي سن القوانين والانظمة التي تضبط حياة الناس وتحافظ على آمنهم، ويقول الله عز وجل “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، إن ولي الأمر منع الباعة المتجولين من ممارسة هذه المهنة فالواجب على الجميع ان يتكاتفوا لمحاصرة هذه الظاهرة السيئة، وألا يتعاطفوا معهم، لأن منهم في صورة متسول وهو في الواقع غير ذلك .

    ومن المعلوم ان الجهات الرسمية رتبت أوضاع الناس وأصحاب الحاجات بالتوجه إلى الجمعيات الخيرية والى صناديق الزكاة، والباعة المتجولون محلهم الأسواق والدكاكين، ومنع هذه الظاهرة يتوافق مع روح الشريعة الاسلامية التي جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها . وإذا تأملنا هذه الظاهرة نجدها تشتمل على مفاسد محضة أو راجحة، وأن جميع الدول والمجتمعات ترفض هذا النمط من السلوك في أحيائها ومجتمعاتها .

    للحصول على الخبر يرجى الدخول على الرابط التالي:

    ....
    المزيد
  • الوفاء لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من أمير الوفاء سلمان

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 10455
    الوفاء لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهابمن أمير الوفاء سلمان

    لقد تابعت بكل الفخر والإعجاب تعليقات وتعقبات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض ( جريدة الحياة الأربعاء , 28 أبريل 2010) على بعض الكتاب والصحفيين الذين لديهم مفاهيم مغلوطة عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وقد أعاد حفظه الله إلى الأذهان حقيقة هذه الدعوة المباركة ، وأن المجدد رحمه الله عالم رباني ، وداعية من دعاة الإسلام ، لم يأت ـ في واقع الأمر ـ  بجديد ، وإنما دعا  الناس إلى ما دعاهم إليه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ، ومن سلك مسلكهم ، وقد عضده الله عز وجل   ببقايا الدول ، ونجايا الملوك الأول «آل سعود» خاصة صاحب السعي والمقتدي بالسلف الصالح، الإمام محمد بن سعود رحمه الله ، والذي تبنى دعوة الشيخ وحماها ، لكونها دعوة   الحق التي جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين ، فأيده وناصره ؛ فاجتمعت قوة العلم مع   قوة السلطان، فخرج هذا الكيان الذي ما زلنا نتفيأ ظلاله ــ دام عالياً شامخاً بتوفيق الله ــ فحفظوا على الأمة معاقد الدين ومعاقله ، وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله ، وقد كتب الله عز وجل لهذه الدعوة الظهور والانتشار، واعتلت شجرتها باسقة تزاحم النجوم في عليائها ،  فأصبحت البلاد والى يومنا هذا مضرب المثل في صفاء العقيدة، والسمو عن وحل الشعبذات والهرطقيات والأوهام  إلى دوحات التوحيد     ، والسنة والتوفيق ، وقد حصّلت بعض البلاد المتاخمة والقصية كثيراً من هذا الخير ، حينما بدأ صداها يتردد في مشارق الأرض ومغاربها، عن طريق الحجاج والمعتمرين والتجار   والمسافرين ، فطار إليها الصادقون من هذه الأمة فسرت في نفوسهم جريان الماء الرقراق في الجداول النقية الصافية ، لأنها دعوة الفطرة النقية الصافية، فأصبحوا دعاة إلى الله ، وقد سجلوا إعجابهم بهذه الدعوة في مذكرات ومصنفات معروفة ، لأنها أعادت الإسلام إلى نقائه وصفائه .

    وقد دعا سموه حفظه الله كل من له عناية في الكتابة عن هذه الدعوة بشكل خاص أن يتحروا الصدق ، وأن يأخذوا الأخبار من مظانها ، وحذر سموه الكريم من بناء الأحكام على الظنون ، لأن الإنصاف والعدل يقتضيان من المرء ألا يحكم بالظنون ،  فالظن ليس ذا قيمة في اكتشاف الحقائق ، وهذه كتب الشيخ وكتب أحفاده وتلاميذه ومصنفاتهم ورسائلهم وهي البحار الزواخر، والتي لجواهرها ودررها وكثرتها وقوة مادتها لا يعرف لها أول ولا آخر ، في متانتها وحسن تصنيف أصحابها ، ونزوعهم إلى القرآن والسنة ، وطريقة الصحابة في الفهم والاستدلال ، وهذه المصنفات لا تخلوا منها مكتبة ولا بيت غالباً ، شاهدة على أن هذه الدعوة المباركة هي دعوة الإسلام الحقة ، تدعوا إلى فهم الإسلام كما فهمه الصحابة ومن تبعهم ، وتحترم أئمة المذاهب الأربعة ، وتحذر من الغلو في التكفير ، وتدعوا إلى التعامل مع الطوائف الإسلامية بجامع كونهم من أهل القبلة ، مع إسداء النصيحة لهم كما أمر ربنا جل وعلا ، ولذلك مر علينا في مراحلنا الدراسية الشرعية أساتذة من طوائف ومذاهب شتى ومن بلاد متنوعة ، وقد استقدمهم للتعليم علماء هذه الدعوة ، ولم تكن الثقافة التي نحمل تدفعنا إلى التحسس منهم ، كما يزعم من يغالط الحقائق .

    ومما حذر منه سموه الكريم ، استعمال مصطلح ( الوهابية) ومحاولة ربطه بسلوكيات وتصرفات تحمل طابع الشدة ، أو التطرف وإلصاقها بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، ولا شك أن سموه الكريم يريد بهذا رحمة هؤلاء المرددين لكلام المناوئين لهذه الدعوة في القديم والحديث ، من أن يكونوا غرضاً لسهام المنتقدين ،  لأن طرحهم يفتقد إلى الصدق والموضوعية ، ويتحطم على صخرة هذه الدعوة المباركة ، ويدرك وهائه وزيفه بمقدمات العقول قبل أواخرها ، فدعوة الشيخ رحمه الله فوق الشبهات ، فهي قائمة على التمسك بالأصيل ، والأخذ بالجديد وفق الضوابط الشرعية والقواعد المرعية ، وتدعوا إلى عمارة الدنيا ، والسعي للآخرة ، وتوفق بين متطلبات الروح والجسد ، والمتقرر عند المجدد رحمه الله وتلاميذه إلى يومنا أنهم يمزجون في تعليم الناس بين قاعدتي ( أن الأصل في العبادات التوقف وقاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة ) ولذلك أتاحت هذه الثقافة الشرعية والفهم السديد لهذا الوطن الكبير الذي تبنى الدعوة أن يأخذ بزمام المبادرة في الحصول على أعلى التقنيات الحديثة ، والتطلع إلى ما فيه نفع البشرية من خلال استعمال الوسائل المتعددة ، والترقي في مدارج الكمال الدنيوي .

    وإن الأمير سلمان بمثل هذه المبادرة الداعية إلى كشف الحقائق ، ووضع الأشياء في مواضعها الصحيحة ـ وهي ليست الأولى لسموه ـ يشير إلى الوفاء العظيم الذي يحمله هذا الأمير الشهم ، لهذه الدعوة المباركة، ولإمامها وعلمائها ، في وقت ـ وللأسف ـ أصبح كثيرون ممن يعنيهم الأمر من أهل العلم، وأرباب القلم الشريف ، قائمين في ظلهم لا يبرحون ، وراتبين على أكعابهم لا يتزحزحون ، وكأن الأمر لا يعنيهم ، مع أن الوفاء لهذه الدعوة ولإمامها متعلق في عنق كل فرد من أبناء هذا الكيان العظيم بخاصة ، ولكننا نفاجأ بعقوق فاضح من بعض أبناء هذا الوطن ، يتمثل في تشغيب وتأليب وقفز على الحقائق ، وتصوير الأمور في قوالب مبنية على تخرصات وظنون ، وليس لها رصيد من الواقع ، بل إن بعض من يكتبون يفتقدون لأبسط درجات الالتزام الخلقي والمهني والموضوعي في الكتابة ، فيُحّمِّلون كلام المجدد رحمه الله ، مالا يحتمل ، لا بمنطوقه  ولا بمفهومه ، ويأتون ببواقع وأمور أغرب من العنقاء .

    فشكراً للأمير سلمان ، وأسأل الله أن يمتعنا ببقائه ، وأن يوفق ولاة أمورنا لما فيه عز الملة وصلاح الأمة . آمين .



    كتبه

    فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي

    مدير مركز الدعوة والإرشاد السعودي بدبي

    ....
    المزيد