قد افلح من زكاها

  • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
  • : 1692
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,, وبعد:
تكمن في النفس البشرية ثلاث قوى، هي القوة العقلية، والقوة الغضبية، والقوة الشهوانية، وهذه كلها مستلة من قول الله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) وايضا من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما سئل عن أي الذنب أعظم؟ قال: (ان تجعل لله ندا وهو خلقك) قيل ثم اي,؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قيل ثم أي قال: (ان تزني بحليلة جارك) مخرج في الصحيحين من حديث ابن مسعود.
وأعلى هذه القوى هي القوة العقلية، وقد خص الله بها جنس الإنسان عن سائر الدواب، وتشاركه فيها الملائكة كما قال ابوبكر بن عبدالعزيز: (خلق للملائكة عقول بلا شهوة، وخلق للبهائم شهوة بلا عقل، وخلق للإنسان عقل وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فالبهائم خير منه), وتبلغ القوة العقلية تمامها بالعلم والإيمان وتوحيد الله وإفراده في ألوهيته وربوبيته، والاستدلال بمخلوقاته على عظمته وقيومته، وتبلغ القوة العقلية اسفل دركاتها بالكفر، والشرك، والابتداع، وإعمال هذه القوة في غير ما خلقت له ولذلك يطلق على من سخر هذه القوة في ما يضر ولا ينفع بالميت الموت المعنوي كما قال تعالى: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها).
والقوة الغضبية تأتي في المرتبة الثانية في النفس البشرية وجنس القوة البغض, وتبلغ القوة الغضبية ذروتها يوم ان يصرفها في مراد الله ومحبوبه، وفي مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومحبوبه, ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (أوثق عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله) وما ينتج عن هذا البغض في الله من آثار كثيرة مضبوطة بضوابط الشرع هو من هذه القوة المحمودة.
وتنحط القوة الغضبية الكامنة في النفس البشرية الى الحضيض عندما يسيرها الشيطان، فيدفعها الى القسوة بالقول والفعل، وذلك عن طريق الشتم او اللعن أو النميمة، أو الكذب، أو الاعتداء المحرم باتلاف الاعضاء، أو إزهاق الانفس المعصومة المحرمة بغير وجه حق, ولذلك جاءت الشريعة بضبط القوة الغضبية، وذلك بخطمها بزمام الإيمان وكفها عن الظلم بجميع أنواعه، وامرها بالعدل، والقسط، والإحسان، والعفو والصفح، والحلم والجود، وغيرها من الاخلاق التي تسمو بها النفس عن أن تكون منقادة للشيطان فترتفع الى درجات الفضيلة في الأقوال والتصرفات والأفعال.
وأما القوة الشهوانية فتأتي في المرتبة الثالثة وجنس هذه القوة الحب, وهذه القوة لا تكاد تخلو منها نفس بشرية لكنها تتفاوت من جهة القوة والضعف، من شخص لآخر حسب ما قام في النفس من الإيمان والمراقبة فالإيمان كلما قوي اضعف من سورة القوة الشهوانية، إما بانعدامها بالكلية، او التقليل منها, والقوة الشهوانية كامنة في النفس البشرية كمون النار في الزناد، فاقدح زناد من شئت ينبئك شرره عما في زناده.
وتبلغ القوة الشهوانية اسفل دركاتها يوم ان يقع المرء في الزنا كما نبه الشارع الحكيم على ذلك، ولذلك لا يكاد يخبو نار القوة الشهوانية إلا بأمرين:
الأول: مواقعة الأمر وملابسته وبهذا تستغل هذه النفس فتكون طينية سفلية، وتعاقب بالقوة وحرمان لذة العبادة وغيرها من العقوبات الروحية والجسدية.
الثاني: الامتناع عنها، والانكاف عن ملابستها وذلك بحسم الوسائل المفضية إليها، وهنا تسمو النفس وترتقي، فيعوض الله تلك الحرارة الرهيبة والتي أشعلتها القوة الشهوانية في النفس البشرية بلذة، يجد حلاوتها بانشراح وسعة صدر، وراحة بال وطمأنينة وهناء في العيش مصحوبة بنشوة الانتصار على الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
لذلك ينبغي على العاقل الانتباه الى هذا الامر العظيم، وإعمال جميع الوسائل المفضية الى المقصود العظيم، وهو الوصول بالنفس الى أعلى صفاتها، وأكمل درجاتها، وهي النفس (المطمئنة) وحسم جميع الوسائل المفضية الى النزول بالنفس إلى اسفل دركاتها.
اللهم ارزقنا نفوسا مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك، وتخشاك حق خشيتك