اذا وعظت فأوجز

  • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
  • : 1524
قد كانت العرب في الخطابة تهرب من التطويل إلى الاختصار، ومن الإطناب إلى الاقتضاب، لعلمهم أن الكلام المختصر أقوى من التأثير، وأسرع للحفظ، وأنه علامة على تمكن الخطيب، ولذا كان الخطيب فيهم هو من يوجز العبارة، ويترك وحشي الكلام.
وهذا المنهج أكده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وبفعله، فلقد أوتي جوامع الكلم، وكانت خطبه ومواعظه قصداً، وعباراته سهلة على الاسماع، مفهومة غير معقدة، مستعذبة حلوة، يكاد يحصيها العاد، وهكذا الخلفاء من بعده، وأهل العلم والدين على هذا المسلك.
وعنوان هذا المقال هو عبارة عن نصيحة أهدتها أم المؤمنين عائشة إلى الإمام الفاضل عبيد بن عمير حيث قالت له:«إذا وعظت فأوجز فإن الكلام الكثير ينسي بعضه بعضاً» وهو منهج عظيم ينبغي لكل من يتصدر للخطابة والوعظ والتذكير أن يتبعه، وحسبنا إدراكاً أن جميع الناس على اختلاف طبقاتهم وثقافاتهم يميلون إلى الخطيب الذي يختصر الكلام، ويضغط العبارة، وينتقي البليغ من القول، بعيداً عن التقعر والتمطيط، فكلامه أدعى إلى القبول، وأقوى في التأثير، وأرسخ في ذهن الموعظ، وأيضاً الرغبة الأكيدة من الجمهور في محبة الاستماع إليه على الدوام.
بخلاف من يذهب مذهب التطويل والاستطراد، والتفريع في الوعظ، يشعرك وأنت تستمع إليه أنه يريد جمع أحكام الدين كله في مقام واحد، فإن الملل يتسلل إلى نفوس الموعوظين، والتململ والتضجر، ومحاولة التفلت من الاستماع ظاهرة عليهم.
ولذلك أهم شيء على الواعظ أن يسلكه، لأجل الإيجاز والاختصار هو استعمال بعض الأساليب والأدوات منها.
أولاً: الاكتفاء بدليل واحد من الكتاب وآخر من السنة يتعلق بالموضوع، فالبعض يسرد عشرات الأدلة من الكتاب والسنة والتي كلها تصب في الموضوع ذاته، وبالإمكان الاكتفاء بواحد يؤدي الغرض، وينبه على الحكم أو المقصود.
ثانياً: الاكتفاء بنقل قول أو قولين لبعض السلف أو العلماء يخدم الموضوع ذاته، ويراعى في القول أيضاً أن يكون مختصراً، أو يختار محل الشاهد إذا كان الكلام طويلاً.
ثالثاً: وضع تصور مسبق، ورؤية واضحة عما يريد الواعظ التحدث عنه، فالخطبة والموعظة تتكونان من مقدمة وجسم وخاتمة، ومن يعلم من نفسه تفلت الكلام منه أثناء الموعظة، أو يعلم أنه يستطرد كثيراً أن يحصر مفردات موعظته في قصاصة صغيرة تضبط له مسار الحديث.
رابعاً: الإكثار من القراءة، والنظر في كتب السلف وخطبهم ومواعظم، وأيضاً كتب الأدب والبلاغة التي تورث المرء معرفة تامة بالألفاظ، والتعامل مع العبارات، فإن المراس على مثل هذا الأسلوب يورث الخطيب أسلوباً جديداً من الحديث يقوم على الاختصار والإيجاز..والله أعلم