ركن المقالات
  • الحديث عن الصحابة

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 1813
    -:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

    فإن الحديث عن الصحابة رضي الله عنهم ، وبيان مناقبهم وفضائلهم وخصائصهم وفضلهم على الأمة  ـ في هذه الفترة على وجه الخصوص ـ في مرتبة الضرورة ، عبر جميع المنابر الشرعية والإعلامية ، وذلك لسببين اثنين :

    أولاً / أن الحديث عنهم عبادة وقربة ، وذلك لأن الله تعالى ارتضاهم لصحبة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ، ومات عنهم الرسول صلى الله عنه وهو عنهم راضٍ ، وهم الذين نقلوا الكتاب والسنة ، وعن طريقهم يفهم المسلمون نصوص الكتاب والسنة ، ولأنهم أدرى بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم 00الخ .

    ثانياً / لا يخفى قوة تأثير القنوات الفضائية على عقول وعقائد المشاهدين في وقتنا الحاضر ، وإن شرائح كبيرة من المسلمين أصبحت تتلقى تضليلاً خطيراً من بعض القنوات الفضائية التي تتعرض للصحابة بالثلب ، وتجلب من الكذب والإفتراء عليهم ما يستحي من حكايته إبليس ، وتزرع الشك ، وتكدر الصفو ، في مقابل طرح ودفاع ضعيف من بعض أهل السنة لا يرتقى ـ في واقع الأمر ـ إلى مستوى ما يمارس من التضليل الخطير .

    فأنا أدعو جميع النخب الشرعية والإعلامية والعلمية والتربوية ووسائل الإعلام إلى إعطاء الحديث عن الصحابة مساحة كبيرة من جهودهم وبرامجهم ، وذلك لأن ترك الحديث عنهم سيورث الأمة بعد حين أوراماً خطيرة ، حينما تتشبع العامة ـ والتي لا تفرق بين الرغوة والصريح ـ بشيء من هذا الباطل ، فقد ينطلي عليها شيء من تلك الفِرى والشبه فيصعب انتزاعها ، ولا بد أن يكون الحديث عن الصحابة بقسميه ، العام : عن فضيلتهم وسابقتهم في الإسلام وحقوقهم ومحبتهم ، واعتقاد أهل السنة فيهم ، والخاص : وذلك بذكر فضائل كل واحد منهم ممن ورد ذكر فضائله في دواوين السنة ، خاصة الخلفاء الأربعة ومعاوية ، وعمرو بن العاص 00 وغيرهم ممن استهدفهم الضالون بالثلب ، ولا يخلو كتاب من كتب السنة من ذكر فضائل الصحابة بأسمائهم .

    أولئك أصحاب النبي وحزبُه         ولولاهم ما كان في الأرض مسلم

    ولولاهم كادت تـميد بأهلها          ولـكن رواسيها وأوتـادُها هـم

    ولولاهم كانت ظلاما بأهلها         ولـكن هـم فيـها بـدور وأنجم


    عزيز بن فرحان العنزي

    مدير مركز الدعوة بدبي


    ....
    المزيد
  • فضل الانفاق في سبيل الله واثاره ( 1 )

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 1944
    إن من فضل الله تعالى على عباده ورحمته بهم، ان شرع لهم من الدين ما يقربهم اليه، ويوصلهم إلى مرضاته، ويكون سبباً في دخولهم الجنة والنجاة من النار، وكان مما شرعه لهم، وامرهم به: ان يفعلوا الخيرات، وينفقوا مما جعلهم مستخلفين فيه، تزكية لنفوسهم، وتطهيرا لاخلاقهم، وتنمية لاموالهم، فقال تعالى: { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وقال: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [الحديد: 7] ووعد سبحانه وتعالى فاعلي الخير بتوفية اعمالهم، ومضاعفتها لهم اضعافا كثيرة في وقت هم احوج ما يكونون إلى ذلك، فقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272] وقال تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245]
    وقد بين تعالى تلك المضاعفة اتم بيان، واوضحها اكمل ايضاح، وضرب لها مثلاً بما تعيه افهام الناس، وتدركه عقولهم، وتراه اعينهم، فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261]
    وهكذا نبينا صلى الله عليه وسلم بين فضل الانفاق والتصدق في سبيل الله، وثماره وآثاره في عالم الغيب، وفي عالم الشهادة، ومما ورد من ألفضل في ذلك:
    1 المضاعفة لصاحبه، فعن ابي هريرة رضي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه أي مهره حتى تكون مثل الجبل» متفق عليه.
    2 ان الصدقة تظل العبد يوم القيامة وتحول بينه وبين حر الشمس حينما تدنو من رؤوس الخلائق، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس» رواه أحمد والحاكم وصححه الالباني.
    3 ان اجر الصدقة يقع مضاعفاً إلى سبعمائة ضعف يوم القيامة إلى اضعاف كثيرة، فعن ابي مسعود الانصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة» أخرجه مسلم.
    4 ان الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء، فعن انس رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء». أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
    5 واخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه الصدقة تطرد الشياطين عن ابن آدم، وتفك عقدهم عنه، فعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يخرج احد شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانا» أخرجه أحمد وابن خزيمة وصححه الحاكم والالباني.
    6 والصدقة زكاة وطهرة للمسلم، فبها تزكو نفسه، ويرق قلبه، وتطيب روحه، ويرتفع عن اخلاق اصحاب الشح والبخل والأثرة وغيرها قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة: 103] .
    7 وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الصدقة لا تنقص المال، بل تزده بما يحصل فيه من بركة الانفاق والعطاء، لان كثيراً من المحجمين عن الانفاق والتصدق يظنون ان الصدقة تذهب بالمال وتفنيه، او تنقصه، وهذا بسبب غلبة حب الدنيا على قلوبهم، فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما نقصت صدقة من مال..» الحديث أخرجه مسلم.
    وهذا التحريض على الصدقة من قبل الشارع الحكيم ألهب حماس اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلهم يتنافسون في هذا الميدان..وأي ميدان؟!!
    يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نتصدق ووافق ذلك عندي مالاً، فقلت: اليوم اسبق أبا بكر، إن سبقته يوماً، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أبقيت لأهلك؟» قلت نصف مالي، قال فجاء أبو بكر بماله كله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أبقيت لأهلك؟» قال أبقيت لهم الله ورسوله!! فقلت: لا أسابقه إلى شيء أبداً» أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
    وكان عثمان رضي الله عنه من المنفقين اموالهم في سبيل الله، فعن عبدالرحمن بن خباب قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان فقال: يا رسول الله! على مائة بعير بأحلاسها واقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش، فقام عثمان فقال: يا رسول الله! علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها واقتابها في سبيل الله قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل على المنبر وهو يقول: « ما على عثمان ما فعل بعد هذه.. ما على عثمان ما فعل بعد هذه» أخرجه الترمذي وقال: غريب وله شواهد.
    ومواقفهم رضي الله عنهم في فعل الخير لا تدخل تحت الحساب ولا تضبطها اقلام الكتاب.
    ومن أفضل وجوه الانفاق، واعظمها أجراً، وأعمها فائدة، وأدومها نفعاً، وأبقاها أثراً، الوقف في سبيل الله، وهو في الاصطلاح الشرعي: تحبيس الاصل، وتسبيل المنفعة، فالوقف بهذا التعريف يجمع بين أمرين جليلين:
    أولهما: ثبوت الاصل الموقوف، ودوام الانتفاع به، فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.
    الأمر الثاني: اتساع مجالات الإنفاق من غلاته، وتنوع مصارفه، وتعدد أوجه البر والاحسان فيه، مما يجعله من أولى ما يتسابق إليه المحسنون، وأهم ما يتنافس فيه المتنافسون.
    من اجل ذلك سارع المسلمون إلى هذا العمل ألفاضل منذ عهد النبوة، والقرن المفضل يرشدهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ويحثهم على وقف انفس ما يملكون، وتحبيس اكرم ما يحبون، فقد روى الجماعة عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: اصاب عمر بخير ارضاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اصبت ارضاً لم اصب مالاً قط انفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: ان شئت حبست اصلها وتصدقت بها، فتصدق انه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث.
    ومثل ذلك ما رواه البخاري عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة انه سمع انس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان أبو طلحة اكثر الانصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب ماله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها و يشرب من ماء فيها طيب، قال انس: فلما نزلت {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إن الله يقول {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]وان أحب أموالي الي بيرحاء، وانها صدقة ارجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله: فقال بخ بخ، ذلك مال رابح، أو رايح».. الحديث.
    فعمر، وأبو طلحة اوقفا اغلى ما يملكان، لادراكهما ما للوقف من منزلة عظيمة، وما يترتب عليه من الاجر والثواب، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: بخ ذلك مال رابح وكلمة بخ تدل على تفخيم الأمر والاعجاب به.
    ويزيد ذلك بياناً ووضوحاً ما فعله عثمان رضي الله عنه فانه لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع القربة بمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال نعم، قال قد جعلتها للمسلمين «ذكره الحافظ في ألفتح».
    وهذه البئر هي التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: من حفر بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان رضي الله عنه. ذكره البخاري تعليقاً، ووصله الدارقطني والاسماعيلي وغيرهما.
    وتوالت جموع الصحابة على العمل بهذه السنة الكريمة، يقول جابر رضي الله عنه: لم يكن احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة، الا وقف وهذا إجماع منهم.
    يقول ابن قدامة في المغني: 8/185 قال الحميدي: تصدق أبو بكر بداره على ولده، وعمر بربعه عند المروة على ولده، وعثمان برومة، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة، وداره بمصر، وامواله بالمدينة على ولده، وتصدق سعد بداره بالمدينة وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط، وداره بمكة على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده، فذلك كله إلى اليوم.
    وعلى هذا النهج القويم سار التابعون ومن بعدهم عبر العصور الاسلامية المتعاقبة فتوسعت الأوقاف، وشملت بنفعها كثيراً من المرافق الخيرية، والاجتماعية، والعلمية واسهمت اسهاماً كبيراً في خدمة المجتمع الاسلامي، والنهوض برقيه وتقدمه
    ....
    المزيد
  • فضل الانفاق في سبيل الله واثاره ( 2

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 2107
    وفي عصرنا الحاضر تزداد اهمية الوقف، وتتضاعف الحاجة إلى إحياء هذه السنة النبوية، وبعثها قوية كما كانت عليه، وذلك لسببين اثنين:
    الأول: ان هذه السنة العظيمة قد ضعفت في كثير من بلدان المسلمين، بل وصل الحال إلى انعدامها في كثير من الاقاليم، فهم لم يسمعوا عن هذا الوقف، ولا ما ورد فيه، ولا كيفية استعماله.
    الثاني: ان حالة المسلمين في هذا العصر داعية إلى إحياء الوقف، فما يمر به المسلمون من ضعف، وما تعيشه غالب مجتمعات المسلمين من فقر وحاجة، وما يسببه ألفقر من الصدود عن تعلم العلم الشرعي بسبب عدم القدرة على شراء الكتب، والانفاق على من يجب على طالب العلم الانفاق عليهم، حتى ان كثيراً من بلدان المسلمين فقيرة من الناحية الثقافية والعلمية، كل هذا وغيره كثير يفرض على اصحاب اليسار بأن يساهموا في احياء الأوقاف والتنافس في هذا الميدان العظيم «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون» لا سيما وان مجالات الوقف قد اتسعت كثيراً، وتعددت اوجه الانتفاع به، وكثرت طرق الخير والبر التي يشملها.
    فبالإضافة إلى ما سبقت الاشارة اليه نجد ان من اهم أبواب الخير الجديرة بالوقف، والتصدق:
    أ طباعة القرآن الكريم، والكتب الاسلامية مثل كتب الحديث والعقائد وغيرها من الكتب النافعة، وايضاً ترجمتها إلى مختلف اللغات ليستفيد منها المسلمون، و غير المسلمين اينما كانوا.
    ب بناء المساجد وعمارتها، والانفاق عليها، وعلى الائمة والمؤذنين والقائمين عليها:
    يقول تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } [التوبة: 18]
    وعن انس رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة» أخرجه البخاري ومسلم.
    ت إسكان الأيتام والأرامل والفقراء والمساكين عن طريق بناء وحدات سكنية خاصة بهم، تكون وقفاً عليهم من خلال عمل مشروع مدروس، فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» واحسبه قال: «وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر» متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه..» رواه مسلم.
    وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة» واشار الراوي وهو مالك بن انس بالسبابة والوسطى. رواه مسلم.
    ث حفر الآبار لاسيما في البلاد ألفقيرة حيث الحاجة شديدة، والعدة بدائية، والماء بعيد، وقد ورد في وقف الماء فضل عظيم، من ذلك: عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أفضل الصدقة سقي الماء» أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ولا يخلو إسناده من مقال.
    ج وقف المزارع والدور والشقق والدكاكين والمحلات والاراضي على ألفقراء والمساكين وطلبة العلم، ولقد مر معنا وقف اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتسابقهم إلى وقف المزارع والعيون وغيرها.
    فباب الصدقة واسع بمقدور كل مسلم ولوجه، والوقف جزء منه، وقد حث الاسلام على التصدق على المسلمين، وانه ينبغي ان لا يحقر المرء من المعروف شيئاً، فاذا لم يجد ما يتصدق به فلا اقل من تطلقه في وجه اخيه.
    وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، وإعانة المسلمين من المحتاجين والمعوزين، ومشاركتهم في ما يعانونه، وتوفير ما يفقدونه، فعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل يصرف راحلته في نواحي القوم فقال: « من كان عنده فضل من ظهر اي مركوب فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له» قال ابن مسعود: حتى رئينا انه لا حق لاحد منا في فضل. أخرجه مسلم.
    وإنني انبه إلى بعض وجوه الصدقة التي يغفل عنها الكثير، والناس في زماننا هذا بأمس الحاجة إليها من ذلك:
    أ: فتح عيادات طبية متخصصة غير ربحية، لمعالجة من يحتاج إلى علاج من فقراء المسلمين، ولو بسعر رمزي بمقدور ألفقير تحمله، واجراء العمليات مجانياً للمتخصصين في هذا المجال يقول تعالى:
    {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32} .

     ويقول تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى }
    [المائدة: 2]
    ب : المساهمة في تخفيف آلام المرضى ممن هم بحاجة إلى بعض الأجهزة التي تعينهم على مواجهة مصاعب الحياة، او تمكنهم من دفع الآلام التي يتعرضون لها مثل:
    أجهزة غسيل الكلى، وفي تقديري إن من أفضل الأعمال في هذا الوقت بالخصوص هو وقف أجهزة غسيل الكلى، وذلك لكثرة الذين يعانون من ألفشل الكلوي في العالم، وأيضاً شراء الأجهزة المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة «المعاقين»، وأيضاً شراء الادوية المتعلقة ببعض الأمراض التي كثرت وانتشرت في هذا العصر ولا يكاد يسلم منها الا القليل مثل: ادوية مرض السكري، والضغط وغيرها مما يحتاجها الكثير من الناس على الدوام.
    ت : إسقاط الديون عن المدينين من المعسرين، وذلك بالسداد عنهم، واخراج من يمكن اخراجه من المسجونين بسبب هذه الديون، أو الديات وغيرها من الأمور المادية، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه» أخرجه مسلم.
    ث : الإنفاق على طلبة العلم، لاسيما اصحاب المنح الدراسية القادمين من بلاد بعيدة، فارقوا اهليهم واوطانهم لاجل طلب العلم، وذلك باسكانهم وشراء ما يحتاجونه من الكتب والادوات الدراسية.
    ج: الإنفاق على مدارس تحفيظ القرآن الكريم وحلقه.
    ح: الصدقة على فقراء الحجاج، والمعتمرين، والزوار، وتوفير الطعام والشراب والمراكب لهم.
    خ: مساعدة الشباب المسلم على الزواج، لاسيما في وقتنا هذا الذي كثرت فيه أبواب ألفتن على الشباب، فمساعدتهم سبيل إلى اعفافهم.
    د: التصدق على الموتى وذلك بوقف أراض تجعل مقابر للمسلمين، وبناء مغاسل للأموات، وشراء الكفن للعاجز عنه، وكذلك الطيب، وبعض ما يلزم تجهيز الميت به.
    واختتم مقالي بالتنبيه على أمور ينبغي على المتصدق ان يفطن لها، منها:
    أ: النية الصالحة الصادقة: فلا عمل الا بنية، ولا قبول الا بنية خالصة لله تعالى، فعلى المحسن ان يصلح نيته، فيقصد بصدقته وجه الله عز وجل، فإنه إن لم يقصد وجه الله لم تقبل منه، وحوسب على ذلك.
    ب: ان تكون الصدقة من حلال، فان الله طيب لا يقبل الا طيباً، قال تعالى:
    «{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
    حّمٌيدِ }
    [البقرة: 267] .
    وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان الله طيب لا يقبل الا طيبا» رواه مسلم.
    ج: اختيار الاجود فيها، وقد مر معنا في قصة أبي طلحة الانصاري في وقفه لحديقته ببيرحاء، ما يدل على ذلك.
    يقول نافع مولى ابن عمر: كان ابن عمر رضي الله عنهما اذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز وجل، قال نافع: وكان بعض رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمر احدهم فلزم المسجد، فاذا رآه ابن عمر على تلك الحالة الحسنة اعتقه، فيقول له اصحابه: يا ابا عبدالرحمن! والله ما بهم الا ان يخدعوك، فيقول ابن عمر لهم: من خدعنا بالله انخدعنا له!!
    د: وينبغي الإسرار بالصدقة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، الا اذا كان في إعلانها مصلحة راجحة، كدعوة ولي الأمر لها، أو قصد مع الصدقة تحريض الناس وتشجيعهم على الإنفاق قال الله سبحانه: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [البقرة: 271]
    وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله.. وذكر منهم: «.. ورجل تصدق بصدقة حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» متفق عليه.
    هـ: ان لا يدع يتمياً، ولا يرد سائلا، فعليه ان يواسيه بأي شيء وان لا يخرج من عنده الا وفي يده شيء، فعن جابر رضي الله عنه قال: «ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً قط،. فقال: لا» متفق عليه.
    وهكذا فعل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فلقد اتى سائل إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعندها نسوة، فأمرت له بحبة عنب، فتعجبن النسوة فقالت: ان فيها ذراً كثيراً!! تتأول قوله تعالى:
    {فّمّن يّعًمّلً مٌثًقّالّ ذّرَّةُ خّيًرْا يّرّهٍ } [الزلزلة: 7]
    وقال الحسن: أدركنا أقواما كانوا لا يردون سائلا إلا بشيء.
    و الحذر من إيذاء الفقير والمسكين وذلك بالمنِّ والأذى قال تعالى:
    {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى } [البقرة: 263]
    وقال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262].
    ز: وضع الوقف في مكانه الصحيح، وان من توفيق الله على بلاد الحرمين ان هيأ وزارة تقوم على رعاية الأوقاف، وتنظيمها، وأنشأت لذلك وكالة، تعتني برعاية هذا الأمر العظيم، على أسس شرعية، وأحكام مرعية، ولديها من المشاريع الكثيرة وألفاعلة في خدمة الاسلام والمسلمين، ماهو مشاهد وملموس، فتنسيق الجهود مع هذه الوزارة يحقق في تقديري مصالح تربو على الجهود ألفردية.
    أسأل الله تعالى ان يوفق الجميع لطاعته، وان ييسر لنا فعل الخيرات، وعمل الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    ....
    المزيد
  • الأخبار المثيرة بين القواعد الشرعية والرغبات البشرية

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 1762
    لا شك أننا في عالم متغير، وتسير عجلته بشكل سريع وخطير، بحيث أصبح عالمنا يوصف بالقرية الواحدة، فما يحصل في القاصي القصية من الكرة الأرضية يصل إلى الناس بتقنية عالية، بل قد تراه على الهواء مباشرة صوتا وصورة، وأصبحت الإثارة الإعلامية هي الغالبة في منابرنا الإعلامية، وذلك بنشر الوقائع الغريبة على الناس، أو الحوادث المؤلمة والشاذة على دين الناس وأعرافهم، يستوي في ذلك المقروء والمسموع والمرئي من الأخبار، مما يسجل للجهة الناشرة للخبر سبقا إعلاميا، تكسب به رصيدا جماهيريا واسعا، وقد تحقق عائدا ماليا جيدا، ويشار إلى أصحابها بالبنان، وهي - في الواقع - تتناغم مع طبيعة النفس البشرية، القائمة على محبة الغريب، والطيران مع كل جديد، والميل إلى الأخبار المثيرة، والالتفات إليها بانتباه، ووعي تام، وقد يلاحقها من لا شغل له، وحينما نعرض هذا اللون من الأسلوب الإعلامي، نجده يخالف ما تدعو إليه الشريعة الإسلامية السمحاء من النظر المصلحي، فقاعدتها التي لا تكاد تنخرم هي جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، وإذا نظرنا إلى ما نحن فيه من حديث، نجد أن الشريعة تفرق بين الأخبار الصالحة والتي لها أثر على الناس في عقائدهم وعقولهم وأبدانهم وعلاقاتهم الاجتماعية وجميع شؤونهم، والأخبار السيئة التي لا فائدة من ورائها، بل قد يكون ضرها أقرب من نفعها، بل لقد ذهبت الشريعة أبعد من ذلك، حينما دعت إلى الموازنة بين المصالح والمفاسد من حيث التزاحم، وذلك بالنظر إلى مآلاتها وآثارها، فعندما يكون ظاهر الأمر أو الخبر - مثلا - متضمنا تحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فإنه ينظر هنا في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، فإن الشريعة تمنعه؛ بل قد يكون محرما إذا كان مفسدته أرجح من مصلحته، كما يقرر ذلك أهل العلم من ذوي التحقيق.

    وهنا أقول: ما الفائدة حينما تعني صحفنا - مثلا - بنشر خبر (ضرب ولد لأحد والديه) أو (زنا رجل بأحد محارمه) بشكل يؤذي العيون ويوجع القلوب، وما الفائدة من نقل خبر (سطو شاب على محل تجاري) أو (هروب امرأة من بيت زوجها) أو (القبض على فتاة اختفت من بيت أهلها) أو غيرها من الأشياء التي تشد الانتباه لدى المتلقي، وتجعله يتابع الخبر بكل تفاصيله ودقائقه.

    إن من المتفق عليه أن جميع المجتمعات البشرية فيها المحاسن والمساوئ، وهي تكثر في جهة وتقل في أخرى بحسب قوة الإيمان والتمسك بالتعاليم الشرعية والقواعد المرعية، وحينما نتأمل في نشر هذه الأخبار بهذه الطريقة الفجة لا نجد أنها- في تقديري - تحقق ولا مكسبا واحدا، يمكن أن يكون سببا قويا في التعاطي معها بالشكل الصحيح، بل هي مشتملة على جملة من المخالفان: منها: مخالفة لما أمر الله تعالى به من الستر، فإن الأصل هو الستر، وكشف الجرائم والمنكرات أمر طارئ، لا يكون إلا في مسالك ضيقة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ستير يحب الستر) رواه أحمد، وأبو داود بسند صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يستر عبد عبدا في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم. وقد يشتد الأمر حينما يكون إعلان حادثة ما يوصل إلى معرفة صاحب الواقعة، ويسهم في نشر اسمه على نطاق واسع، أو معرفة ذويه ممن لا يستحقون الكشف عنهم.

    ومنها: نشر معايب أهل الإسلام بشكل واسع، فإن من المجزوم به أن في نشر المخالفات عبر المنابر الإعلامية، فيه توهين لأهل الإسلام، وإساءة الظن في مجموعهم من قبل الآخرين، وقد يكون في هذا سقوط في شرك أهل الباطل من خلال ترويح الأخبار التي فيها إظهار معايب أهل الإسلام، فإن من أهم مقاصد المبطلين تمكين الأخلاق الفاسدة وإشاعتها بين الناس في الأرض، ومحاربة الفضيلة وأهلها، وتوهين الفسق والفجور في النفوس، من خلال الإكثار من نشر الأخبار الشاذة والمنحرفة، ولو كانت واقعة على الحقيقة، وهذا الجنس متوعد بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}. ومن وصايا أهل العلم: (اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب).

    ومنها: تجريء أصحاب القلوب الضعيفة، والنفوس المريضة، فإن في نشر الأخبار الشاذة، والحوادث النادرة تقوية للمترددين على تقحم المخالفات، والأفعال الشاذة، وتسليط أفكارهم على شواذ الجرائم، وسيئ الخلاق والآداب، فحينما تنشر مثل هذه الأخبار فإنه هذا يحرك الراكد من الأفكار السيئة في نفوس العصاة والمجرمين، وقد يكون سبب وقوعهم في المراتع الوخيمة هي أمثال هذه الأخبار السيئة. ومثالب هذه الطريقة كثيرة تفوق الحصر، وأنا لا أريد من مقالي هذا الحجر على أقلام الناس ومنتدياتهم، خاصة في ظل هذا الفضاء الواسع من الإعلام، والحرية التي يصعب ضبطها، ولكنني أردت من إخواني الإعلاميين، وأصحاب المنتديات الإخبارية أن يوطنوا أنفسهم، فليس بالضرورة أن كل ما يكتبه الآخرون يكون صحيحا، فنحن لنا منهجنا وأسلوبنا وطريقتنا المستمدة من ديننا الإسلامي، والتي أهم شيء فيها مراقبة الله تعالى فيما نكتب ونقول، وأيضا لماذا نبتعد عن المنهج الصحيح وهو ضرورة إشاعة الفضيلة وتعزيزها في نفوس الناس عبر مسالك شرعية وعرفية معروفة، وأهمها: كشف الجوانب المشرقة لأوطاننا ومجتمعاتنا، فإذا حصل من شخص شاذ تعد على أحد والديه، فلدينا ملايين الشباب البارين بوالديهم، فلماذا التركيز على شواذ الأخلاق والتي في نشرها تكريس لمثيلاتها؟؟ وترك فضائل القيم والأخلاق الغالبة على مجتمعنا وأمتنا!! أين الملاحق الإعلامية عن قصص هي تيجان على رؤوسنا!! من أناس ضربوا أروع الأمثلة في بر آبائهم وأمهاتهم وصلة أرحامهم؟؟ فلماذا لا تبرز هذه الجوانب عبر لقاءات حوارية معهم؟؟ أو إجراء تحقيقات صحفية مع أبنائنا، واكتشاف مع يفخر به الإنسان من أنواع البر، وألوان الصلة التي يقوم بها أبناء مجتمعنا!!

    لماذا حينما يقوم مخبول أو مخمور بفعل شاذ تجاه أحد محارمه، يبرز هذا الخبر، وتطير به بعض صحفنا!! حتى أنك لتشعر وأنت تقرأه بأنه سلوك عام - عياذ بالله!! والأمة كلها - ولله الحمد - تمثل أنموذج الطهر والعفاف، وفي هذا الجانب الحساس على وجه الخصوص!! فلماذا لا تكون هناك ملاحق (أسبوعية أو شهرية) تذكر فيها قصص الماضين والحاضرين في العفاف، ولماذا لا تخصص برامج يذكر فيها ما جبل عليه المسلم. والإنسان العربي من حماية العرض، والتفاخر في الدفاع عنه؟؟

    لماذا لا نجد برامج وملاحق وتحقيقات تشير إلى ما سبق وغيره من الأخلاق الفاضلة، مثل الأمانة، والصدق، والمروءة، والعفاف، والكرم، وحفظ الجوار، وصنائع المعروف.. إلخ.

    متى نستجيب لداعي العقل والحكمة، ونغلبه على ما يطلبه الجمهور!!

    والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل .
    ....
    المزيد
  • من مقاصد الحج في الإسلام

    • فضيلة الشيخ د/ عزيز بن فرحان العنزي
    • 1702
    العبادات جميعها وإن اختلفت صورها، وتنوعت أشكالها، إلا أنها تلتقي عند غاية واحدة، وهي تحقيق العبودية لله تعالى، بأداء ما افترض، وبالإخلاص له في جميع الطاعات، والتوجه إليه في جميع الأحوال.. وحينما نتحدث عن الحج كواحد من هذه القرب والطاعات، نجد أن هذه العبادة من أعظم الشعائر، وأقواها في تحقيق العبودية لله تعالى، وذلك لاشتمالها على جملة من العبادات، التي تحمل من الحِكَم والمعاني ما يدرك بمقدمات العقول قبل أواخرها. فالحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، فرضه الله تعالى على القادر المستطيع من المسلمين المكلفين، قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}وقد شرع الحج لمقاصد سامية، وغايات نبيلة، وأهداف عظيمة، من ذلك:
    أولاً: تحقيق العبودية لله تعالى: ففي الحج يتجلى معنى العبودية لله تعالى بشكل واضح؛ فتجد الحاج متذللا، خاضعا منكسرا بين يدي مولاه، رافعا عقيرته بالتلبية المشتملة على إفراد الله تعالى بالعبادة، متبرئاً من حوله وقوته إلا بالله تعالى، خارجاً من ملاذ الدنيا، تاركاً ماله وأهله ووطنه، مقبلاً على ربه، استجابة له، وتظهر العبودية في طوافه بالبيت الذي أمر الله تعالى بالطواف به، {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}استجابة لأمر الله تعالى، فهو لا يطوف ولا يسعى حول شيء من الأبنية إلا حول الكعبة، وبين الصفا والمروة تحقيقاً للتوحيد، وتظهر العبودية في كشفه رأسه، ولبسه ثياب الإحرام، وتركه المحببات إلى النفس، كالطيب والنساء وسائر ما يترف به العباد مثل قص الشعر وتقليم الأظفار، كل هذا بخشوع وتذلل امتثالاً لأمر الله تعالى وطلباً لعفوه ومرضاته.. ثم إن شعاره منذ أن يدخل في الإحرام إلى حين رمي جمرة العقبة والحلق هو رفع عقيرته بالتلبية المشتملة على التوحيد: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك. ثم رمي الجمرات، والحلق أو التقصير، كل هذا هو مقصود العبودية الأعظم، ومآله - بإذن الله تعالى - محو الذنوب، وتكفير السيئات، فيعود الإنسان بعد حجه بحياة جديدة، بيضاء نظيفة، طاهرة نقية.
    ثانياً: إقامة ذكر الله - عز وجل - قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}(سورة الحج:27) وقال عز وجل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ }(198) أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً..}(البقرة: 198- 200). وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار إنما شرع لإقامة ذكر الله تعالى، وذكر الله تعالى هو المقصود الأعظم من العبادات، وأعظم الذكر الذي يلهج به الحاج هو (لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، وهو ذكر جميع الأنبياء والمرسلين، ولا يخفى قيمة الذكر، وفوائده الكثيرة، وعوائده الأثيرة.
    ثالثاً: ومن مقاصد الحج: أن الله تعالى جعله وسيلة لتكفير السيئات، وسبباً في محو الذنوب، وطريقاً لرفعة الدرجات، وأعظم ما يصور هذا الأمر ما رواه عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه لما اشترط على النبي صلى الله عليه وسلم ساعة بيعته له، أن يغفر الله له ما سلف وكان، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله).. وصح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).
    رابعاً: من مقاصد الحج تذكر حال الأنبياء والمؤمنين، وما كانوا عليه من قوة الإيمان واليقين، فيذكر توحيد إبراهيم - عليه السلام - وهجرته إلى ربه، واستسلامه للخطب الجسيم، في ذبح ابنه وبكره وفلذة كبده اسماعيل، امتثالاً لأمر الله، وكيف أنه صبر للبلاء المبين، ففداه الله تعالى بذبح عظيم، حينما علم صدق تسليمه، وامتثاله لرب العالمين، فقدم محاب ومراد ربه على محاب ومراد نفسه.. ويتذكر الحاج ما كان من أمر أمنا هاجر - عليها السلام - حينما سعت بين الصفا والمروة بحثا عن ماء تشربه؛ لتدر باللبن على وليدها إسماعيل، وقد أصبح ذلك السعي طريقة باقية إلى يوم الدين، وركناً من أركان الحج.
    خامساً: الحج مدرسة لتعليم الصبر، من ذلك:(أ) الصبر على طاعة الله، فالحاج يمتثل أمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فيؤدي هذا النسك الذي هو أحد أركان الإسلام بكل طواعية وقبول ورضا، ويبذل من ماله الشيء الكثير امتثالا لأمر الله تعالى، فيستفيد من ذلك الصبر على جميع الطاعات التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
    (ب) الصبر عن معصية الله تعالى، وأن الإنسان بمقدوره أن ينتصر على هواه وشيطانه، فهو حينما يمتثل أمر ربه بالامتناع عن محظورات الإحرام، فلا يقص شعراً مثلاً، ولا يقلم ظفراً، ولا يضع طيباً؛ وقوفا عند حدود الله، وينتهي عن القبيح في الأقوال: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ }استجابة لأمره، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، فهو قادر أن يرجع بنفس جديدة، وبسلوك أمثل طوال حياته، وطريق يدرك به مسالك الخير ومساربه.
    (ج) وبالبصر يتعود الإنسان على تحمل المشاق والمصاعب، ويعلم أنها كلها من الله، وأن أحكامه كلها عدل وصدق {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}فحمل هذه الروح الإيمانية تدفع إلى التضحية والإيثار في كل ما أحبه الله وأراده.
    سادساً: في الحج دعوة إلى كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة بين المسلمين، وهذه من أظهر مقاصد الحج وغاياته، فالحج مؤتمر عام للمسلمين، يوحد بينهم، ويوثق عراهم، ويؤدي إلى تعارف أبناء الأمة الإسلامية، وتبادل المنافع المادية والمعنوية بينهم {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}وفيه إذابة للفوارق الطبقية، والمادية، ودعوة إلى أن يكونوا كالجسد الواحد، ولا أدل على ذلك من لباس الإحرام البسيط، وما يرمز إليه من الوحدة بين كافة الشعوب والأجناس، من الفقراء والأغنياء، والحكام والمحكومين، والأبيض والأسود، والعربي والأعجمي، وأيضاً تأدية جميع المناسك، فالخطاب للجميع يستوي في ذلك الرفيع والرقيع، والعزيز والذليل.
    فاستشعار هذه المعاني - وغيرها كثير - في مرتبة الضرورة للمسلمين، وينبغي على المعنيين بالأمر الإكثار من الحديث عنها، عبر الوسائل المتنوعة والمتاحة، وذلك لكون حج غالبية المسلمين يفتقر إلى معرفة هذه المقاصد. وفي تقديري أن هذه المعاني بالنسبة للحاج كالروح للجسد، وإلا فما قيمة حج يرجع الإنسان منه كما جاء إليه، لم يغير في نفسه ولا سلوكه شيئاً، بل الأدهى من ذلك حينما تشاهد الممارسات الخاطئة أثناء تأدية المناسك، ما يوحي إليك بأن من هذه حاله لم يفقه بعد معاني الحج ومقاصده
    ....
    المزيد