ينبغي على الداعية أن يكون بصيراً بالوسائل التي تؤثر في المدعوين، ويختار ما ينفعهم، وما هو أكثر وأسرع تأثيراً فيهم، فالناس كما أنهم يتفاوتون في كل شيء، كذلك هم يتفاوتون في وسائل التأثير عليهم، ولذلك المستقرئ لكتب السنة يجد كيف كشفت لنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم التطبيق النموذجي لاستعماله وسائل التأثير على المدعوين وأنه صلى الله عليه وسلم استخدم وسائل عديدة منها: غشيانه الناس في أسواقهم ومجامعهم، وكان يكلمهم ويدعوهم إلى الحق وصراط مستقيم، وكان يراسل الملوك وزعماء القبائل، ويستقبل الوفود، ويزور الناس في بيوتهم، وغيرها كثير، مما يجعلنا نفعل هذا الجانب، ونعمله في واقع دعوتنا، إلا أنه يجب التبصر في هذه الوسائل بمعنى أن تكون غير محرمة شرعاً، وعدم إفضائها إلى محرم، أو مفسدة راجحة.
ووسائل التأثير كثيرة، فليس من المهم سردها، بقدر الاجتهاد في معرفة قوة تأثير هذه الوسيلة على المدعو فرداً أو جماعة، مما يتطلب من الداعية بذل جهدِ كافٍ في تقدير هذا الأمر مستعيناً بالله تعالى في تحقيقه. فمن وسائل التأثير في المدعوين ما هو من أخلاق المسلم أصلاً، يستخدمه الداعية في تعامله مع المدعوين من ذلك: الزيارة، والهدية، والصدقة، والابتسامة، وزيادة الحفاوة، وغيرها كثير. وإنني أؤكد على بعض الوسائل لأهميتها من جهة، ولغيابها عند الكثير من الدعاة من جهة أخرى منها:
«أ» الشفاعة: إن من أهم وسائل التأثير على المدعوين: قضاء حوائجهم، والشفاعة، سلم عند ولاة الأمر، وغيرهم من ذوي الحقوق، قال صلى الله عليه وسلم«اشفعوا تؤجروا» فالإنسان أسير من أحسن إليه، والنفوس مجبولة على محبة من أسدى إليها معروفاً.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
لطالما استعبد الإنسان إحسان
ولقد كان سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز«رحمه الله» أنموذجا رائعاً في هذا الجانب، فمما اشتهر به رحمه الله شفاعته للناس، فما كان يرد أحداً، وربما كان إذا رأى أن السعي في عمل معين ليس فيه مصلحة، راجحة، أو يظهر له فيه شيء، يقول:«ليس لي فيها نظر» أو كلمة نحوها، تشتمل على تطييب لخاطر المشفوع له.
وهذه هي سيرة من سبقه من السلف الصالح- رضوان الله عليهم- وإليك بعض النماذج:- كان أبو المظفر الخزاعي يلزم نفسه بقضاء حوائج الناس، ويرفعها إلى المتولي فيوقع عليها بقضائها، فقيل له مرة: أيها الشيخ ربما وقع ضجر من إنهائك ما تنهيه، فقال: أنا لا أزال أكتب، فإن قضيت حاجة من كتبت فذلك الغرض، وإن لم تقض فقد أعذرت، ولا أتأثر بذلك.
- وجاء في ترجمة الإمام محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي أنه كثيراً ما كان يكتب إلى أرباب الولايات شفاعات لمن يقصده فقال له المتولي يوماً: إنك تكتب إلينا في قوم لا نريد أن نقبل فيهم شفاعة، ونشتهي ألا نرد رقعتك، فقال: أما أنا فقد قضيت حاجة من قصدني، وأنتم إن أردتم أن تقبلوا ورقتي وإلا فلا. فقال له: لا نردها أبداً.
«ب» المشاركة الوجدانية للوالدين تجاه أولادهم: كثير من الأباء يحتاجون من الدعاة زيارتهم في بيوتهم لوعظ أبنائهم، لاعتقادهم أن جانب التأثير فيهم أقوى، أو أنهم وصلوا إلى مرحلة من اليأس مع بعض أبنائهم، فينبغي على الداعية ألا يقصر في هذا الجانب، ولا يتأخر عنه وأذكر في هذا المعنى قصة جميلة حدث بها إبراهيم بن سليمان الزيات قال: كنا عند سفيان الثوري، فجاءت امرأة فشكت ابنها وقالت: يا أبا عبدالله أجيئك به تعظه؟ فقال: نعم جيئي به، فجاءت به، فوعظه سفيان بما شاء الله فانصرف الفتى، فعادت المرأة بعد ما شاء الله، فقالت: جزاك الله خيراً يا أبا عبدالله، وذكرت بعض ما تحب من أمر ابنها، ثم جاءت بعد حين فقالت: يا أبا عبدالله ابني ما ينام الليل، ويصوم النهار، ولا يأكل ولا يشرب فقال: ويحك مم ذاك؟ قالت: يطلب الحديث، فقال: احتسبيه عند الله.
«ج» التحدث بلغة القوم: قد يكون من المفيد في وسائل التأثير استعمال لغة القوم، أو بعض عباراتهم، أو لهجاتهم. فبتقديري أن هذا الأسلوب قد يفتح أقفال القلوب، ومغاليق الصدور، لأنه بهذا الصنيع يلمس شيئاً وجدانياً، ويشعر المدعو بأنه قريب منه، معايش لبيئته، وتكون هذه اللغة من التعبير نوع صداقة وألفة، وتزيل بعض حواجز الكلفة، والمجاملة التي قد تضر ولا تنفع.
«د» التأثير بالقدوة: من أعظم وسائل التأِثير هوالقدوة، لأن النفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به. ولأجل هذه النفرة قال شعيب عليه السلام لقومه:«وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه» فكم من داعية أثر على الناس بعمله، وبحاله، من دون أن يعظهم ويذكرهم، وكم من أمم دخلت في دين الإسلام بسبب القدوة الصالحة..
قال بعض السلف: إذا أردت أن يقبل منك الأمر والنهي: فإذا أمرت بشيء فكن أول الفاعلين له، والمؤتمرين به. وإذا نهيت عن شيء فكن أول المنتهين عنه. وقد قيل:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام من الضنى
ومن الضنى تمسي وأنت سقيم
لاتنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت ذميم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى
بالقول منك وينفع التعلم
«هـ» الإعلام بأقسامه. من أعظم وسائل التأثير، وأكبرها مساحة، وحضوراً، وسائل التقنية الحديثة: المرئية، والمسموعة، والمقروءة، وأعظمها أثراً في الوقت الحاضر بالخصوص«شبكة المعلومات العالمية الإنترنت» حيث أن هذه الشبكة من أسرع وسائل الاتصال المتاحة في العالم، وأقواها تأثيراً، والإنسان بمقدوره أن يوصل دعوته إلى ملايين من الناس بجميع دياناتهم، ومشاربهم، ولغاتهم.
والمؤسف له أن هذه النعمة لم تستغل الاستغلال الأمثل والحسن في تبليغ دين الله تعالى، وما زال المجال متاحاً لتقديم النافع والمفيد، وإنني أدعو لإقامة مشروع موقع على الإنترنت يتحدث بلغات عالمية مستعملة، وينتخب له مجموعة من الدعاة الأماثل تتوحد جهودهم، ويستفاد من طاقاتهم المبعثرة في مواقع قد تكون مغمورة، أو قائمة على مهاترات، وذلك للقيام بالتعريف بالدين الإسلامي، وتقرير مسائل الاعتقاد، وبيان الأحكام، والرد على الشبهات، والإجابة على الاستفسارات، والاجتهاد في تنزيل فتاوى العلماء الربانيين على منهاج السلف الصالح، كفتاوى اللجنة الدائمة، وفتاوى ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهم من أهل العلم والدين، ومحاولة توفير أكبر قدر من المعلومات التي يحتاجها الناس عن الدين الإسلامي، وعن وسائل الوصول إلى المعلومة الصحيحة.والله أعلم
....
ووسائل التأثير كثيرة، فليس من المهم سردها، بقدر الاجتهاد في معرفة قوة تأثير هذه الوسيلة على المدعو فرداً أو جماعة، مما يتطلب من الداعية بذل جهدِ كافٍ في تقدير هذا الأمر مستعيناً بالله تعالى في تحقيقه. فمن وسائل التأثير في المدعوين ما هو من أخلاق المسلم أصلاً، يستخدمه الداعية في تعامله مع المدعوين من ذلك: الزيارة، والهدية، والصدقة، والابتسامة، وزيادة الحفاوة، وغيرها كثير. وإنني أؤكد على بعض الوسائل لأهميتها من جهة، ولغيابها عند الكثير من الدعاة من جهة أخرى منها:
«أ» الشفاعة: إن من أهم وسائل التأثير على المدعوين: قضاء حوائجهم، والشفاعة، سلم عند ولاة الأمر، وغيرهم من ذوي الحقوق، قال صلى الله عليه وسلم«اشفعوا تؤجروا» فالإنسان أسير من أحسن إليه، والنفوس مجبولة على محبة من أسدى إليها معروفاً.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
لطالما استعبد الإنسان إحسان
ولقد كان سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز«رحمه الله» أنموذجا رائعاً في هذا الجانب، فمما اشتهر به رحمه الله شفاعته للناس، فما كان يرد أحداً، وربما كان إذا رأى أن السعي في عمل معين ليس فيه مصلحة، راجحة، أو يظهر له فيه شيء، يقول:«ليس لي فيها نظر» أو كلمة نحوها، تشتمل على تطييب لخاطر المشفوع له.
وهذه هي سيرة من سبقه من السلف الصالح- رضوان الله عليهم- وإليك بعض النماذج:- كان أبو المظفر الخزاعي يلزم نفسه بقضاء حوائج الناس، ويرفعها إلى المتولي فيوقع عليها بقضائها، فقيل له مرة: أيها الشيخ ربما وقع ضجر من إنهائك ما تنهيه، فقال: أنا لا أزال أكتب، فإن قضيت حاجة من كتبت فذلك الغرض، وإن لم تقض فقد أعذرت، ولا أتأثر بذلك.
- وجاء في ترجمة الإمام محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي أنه كثيراً ما كان يكتب إلى أرباب الولايات شفاعات لمن يقصده فقال له المتولي يوماً: إنك تكتب إلينا في قوم لا نريد أن نقبل فيهم شفاعة، ونشتهي ألا نرد رقعتك، فقال: أما أنا فقد قضيت حاجة من قصدني، وأنتم إن أردتم أن تقبلوا ورقتي وإلا فلا. فقال له: لا نردها أبداً.
«ب» المشاركة الوجدانية للوالدين تجاه أولادهم: كثير من الأباء يحتاجون من الدعاة زيارتهم في بيوتهم لوعظ أبنائهم، لاعتقادهم أن جانب التأثير فيهم أقوى، أو أنهم وصلوا إلى مرحلة من اليأس مع بعض أبنائهم، فينبغي على الداعية ألا يقصر في هذا الجانب، ولا يتأخر عنه وأذكر في هذا المعنى قصة جميلة حدث بها إبراهيم بن سليمان الزيات قال: كنا عند سفيان الثوري، فجاءت امرأة فشكت ابنها وقالت: يا أبا عبدالله أجيئك به تعظه؟ فقال: نعم جيئي به، فجاءت به، فوعظه سفيان بما شاء الله فانصرف الفتى، فعادت المرأة بعد ما شاء الله، فقالت: جزاك الله خيراً يا أبا عبدالله، وذكرت بعض ما تحب من أمر ابنها، ثم جاءت بعد حين فقالت: يا أبا عبدالله ابني ما ينام الليل، ويصوم النهار، ولا يأكل ولا يشرب فقال: ويحك مم ذاك؟ قالت: يطلب الحديث، فقال: احتسبيه عند الله.
«ج» التحدث بلغة القوم: قد يكون من المفيد في وسائل التأثير استعمال لغة القوم، أو بعض عباراتهم، أو لهجاتهم. فبتقديري أن هذا الأسلوب قد يفتح أقفال القلوب، ومغاليق الصدور، لأنه بهذا الصنيع يلمس شيئاً وجدانياً، ويشعر المدعو بأنه قريب منه، معايش لبيئته، وتكون هذه اللغة من التعبير نوع صداقة وألفة، وتزيل بعض حواجز الكلفة، والمجاملة التي قد تضر ولا تنفع.
«د» التأثير بالقدوة: من أعظم وسائل التأِثير هوالقدوة، لأن النفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به. ولأجل هذه النفرة قال شعيب عليه السلام لقومه:«وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه» فكم من داعية أثر على الناس بعمله، وبحاله، من دون أن يعظهم ويذكرهم، وكم من أمم دخلت في دين الإسلام بسبب القدوة الصالحة..
قال بعض السلف: إذا أردت أن يقبل منك الأمر والنهي: فإذا أمرت بشيء فكن أول الفاعلين له، والمؤتمرين به. وإذا نهيت عن شيء فكن أول المنتهين عنه. وقد قيل:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام من الضنى
ومن الضنى تمسي وأنت سقيم
لاتنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت ذميم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى
بالقول منك وينفع التعلم
«هـ» الإعلام بأقسامه. من أعظم وسائل التأثير، وأكبرها مساحة، وحضوراً، وسائل التقنية الحديثة: المرئية، والمسموعة، والمقروءة، وأعظمها أثراً في الوقت الحاضر بالخصوص«شبكة المعلومات العالمية الإنترنت» حيث أن هذه الشبكة من أسرع وسائل الاتصال المتاحة في العالم، وأقواها تأثيراً، والإنسان بمقدوره أن يوصل دعوته إلى ملايين من الناس بجميع دياناتهم، ومشاربهم، ولغاتهم.
والمؤسف له أن هذه النعمة لم تستغل الاستغلال الأمثل والحسن في تبليغ دين الله تعالى، وما زال المجال متاحاً لتقديم النافع والمفيد، وإنني أدعو لإقامة مشروع موقع على الإنترنت يتحدث بلغات عالمية مستعملة، وينتخب له مجموعة من الدعاة الأماثل تتوحد جهودهم، ويستفاد من طاقاتهم المبعثرة في مواقع قد تكون مغمورة، أو قائمة على مهاترات، وذلك للقيام بالتعريف بالدين الإسلامي، وتقرير مسائل الاعتقاد، وبيان الأحكام، والرد على الشبهات، والإجابة على الاستفسارات، والاجتهاد في تنزيل فتاوى العلماء الربانيين على منهاج السلف الصالح، كفتاوى اللجنة الدائمة، وفتاوى ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهم من أهل العلم والدين، ومحاولة توفير أكبر قدر من المعلومات التي يحتاجها الناس عن الدين الإسلامي، وعن وسائل الوصول إلى المعلومة الصحيحة.والله أعلم